عودة ليلى

 

عشبٌ يدير الريحَ
ريحٌ تنحني للعشب
آثار لأقدام تقفّي خطونا في الأرضِ
هل عدنا
فأغمضنا مآقينا
أمام تفتح الأزهار فوق الجرحِ؟
هل عدنا
فوزعنا مراعينا
لرعيان شممنا في ملابسهم طفولتنا؟
وليلى
لوحة مائيةٌ
في خضرة الفلج المريضة
عندما أسهو عن الماضي
تهجيني اللوائحَ
ترشد القلب الضرير
إلى مكان القلب
تنساني
لترسم نفسها
إحدى سبايا القصر ليلة عرسها
اختلفت قليلا عن وصيفات البلاط
فجلَّخت سكين مطبخها
ونامت في فراش الذئبِ…
يكتبها الرواةُ على سجيتهم
ويهجرها البداةُ
على مياه البئر
تملأ جرة مثقوبةً بدموعها
حتى اندلاع الليل بالأجرام
تختبر الصدى في الروح
تفتح شرفة أخرى
ليبتعد الصدى عنها
صدى الموتى إذا عادوا
ولم يجدوا مقاعدهم أمام المسرح المهجورْ
ليلى
سترجع من مكان ما بلا زمنٍ
لتدخل في الزمان يفيض عن وتر الربابة
والمكان الهش…
لا جغرافيا تكفي لدين الحر في دمه
ولا معبودَ
إلا صورة المفقود
أعبدها إذا مرَّ الإله على صلاة الخائفين
وراء ركام معبدهم
فأخطأهم سواسية
سترتفع السماء على جفاف الخبز
كي تقف القلوب على الحياد مع الطبيعةِ
ربما سيرق قلب الذئب أكثر
لو نظرتِ إليه من خلف الهواء
بحزنك البدويِّ
لو زوجته ترف الأصابع في الحريرْ
وتمر من زمن إلى زمن
فتنساني
كما تنسى أصابعها على حجر
فيدمى
كلما عثَرت عليه الخيلُ في الشفق الحزين
أمامها
وقتٌ لتكبر
في بلاد الآخرين
وراءها
قلب يطل على الحديقةِ
شارع متلألئ يفضي إلى قمر يقص لذئبه
صمت الضحايا
وانتحارَ الظامئين على الغديرْ
وشم يوبخني على النسيان
ليلى
صورة امرأة تقض الليل
كالصّوان
تفركه بساعدها
لتضرم للقرى
نار القِرى
أنا في ابتهال عيونها
وحدي
أضمد جرح هذي الأرض في جسدي
بقطن سحابة
ويدي على قمر قُبيل الفجرِ
بي سهر الغريب يعدُّ في المنفى
منافيه
ويحرس جفن ساهره
ستختارين لون الظل يا ليلى
ستنهزمين أكثر
كي نعدَّ مراثيًا أشهى لقلب الذئب
تحت الزمهرير
خرجت من الكلماتِ
في إثر الحداة
قبيل أن يصحو الأعاجم من معاجمنا
لتخفق مع بساط الريح:
ماذا لو رفعتُ الأرض أعلى من كلام رواتها
وقطفتُ للمتحاربين حديقةً
من شارع في القدسِ
ماذا لو نسيتك
كي أعود لإخوتي يتقاسمون الحقل
بالإنشاد؟
ترسمُ نفسها ليلى
وسنبلةً تجف على ضفيرتها
فتنساني…
وتتركني إلى ذاتي الوحيدةَ
في تعددها
تعيد إلى الطبيعة ما تكسّر من حشيش المرج
تحت سلاسل البلدوزر الحربي
تنساني…
كما تنسى إساءة أمسها
لبراءة مهجورة في الظل
سوف تعودُ…
فلتفسح لها الأشجارُ
درب البيتِ
ولتدخل بلا إذن على الغرباء
في مرج ابن عامر
قبل أن يأتي اللصوص
من النصوص
إلى سرير شاغر وسط الحكاية...
هل أعودُ الآن من أقصاك يا حبي
لأبحث عن يد ضيعتها
في يدِّ إحداهن؟
تنساني الوحيدةُ
قرب ماء النهر
تنساني…
وتمضي في يد الولد الوسيم
كزورق الورق المقوى
للمصبِّ ولا ترد على الأثيرْ
ليلى توضب في حقيبتها الحقولَ
ومعجم الجيب الصغير
تلمّع الخصلات والبوت الممزق فوق رجليها
بزيتِ الشَّعر
تنهض باكراً من حلمها
لتطير مع سرب اليمام
وراء حافلة الصباح المدرسيِّ
انتصبت على أطرافها
فمحت بكم قميصها الريفي عن لوح الكتابة
صورتي
محت الغبار وغادرت تاريخنا الهجري
من بوابة خلفية
ليلى ارسمي شجراً يرادف للحنين ولا يعرِّفه
ارسمي خيلاً لنابليون
ترجع عن ربى مرج ابن عامر في الغروب!
لكن ليلى لا تؤوب ولا تسافر مرتينِ
وتكره الجغرافيا
وتزورني خفراً إذا نام الأميرْ
هل غادر الشعراء يا ليلى إذن
هل غادر الشعراء من وصف أخيرٍ
للطبيعة والطبائع؟
ربما ناموا وقوفًا قرب أطلال الديار
وغادروا
ولربما لم يحل لي وصف الأوائلِ
للجداول
فانتبذتُ قصيدةً أخرى
لليلى
غادر الشعراء يا ليلى
فعودي من جنوح الاستعارة
للمخيلة البسيطة
والكلام

مع الطيورْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القصيدة على ساوندكلاود

نُشرت هذه القصيدة على مجلة الفلق بتاريخ 25 أبريل 2021

تعليقات

المشاركات الشائعة